المحاکمة الجنائية " دراسة تأصيلية تحليلية وفقاً لقواعد القانون الروماني "

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس بقسم فلسفة القانون وتاريخه کلية الحقوق - جامعة المنصورة

المستخلص

موضوع البحث:
      کفلت نصوص الشرعة الدولية وکذا نصوص الدساتير والتشريعات الوطنية حق الإنسان حال اتهامه بارتکاب جريمة ما في محاکمة عادلة، وذلک أمام محکمة مختصة ومستقلة وحيادية قائمة استنادًا إلى القانون، تُکفل له فيها جميع الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه، ترسيخًا في ذلک لمبدأ سيادة القانون، وليس شريعة الغاب التي کانت عليها البشرية في عهودها الأولى([1]).
     والمتأمل في قواعد القانون الروماني بشأن موضوع دراستنا، يجد أنها قد أرست قواعد الاختصاص الجنائي، على نحو کان يُحاکم فيه المتهم جريرة ما ارتکبه من جرائم أمام السلطة المختصة قانونًا بالفصل فيها، والتي اختلفت وتعددت حقيقة بحسب العصور التي مر بها ذاک القانون. وآية ذلک أنه خلال الحقبة الملکية کانت تلک السلطة - کأصل عام- مقصورة على الملک وحده، إذ کان الأخير يرکز في يديه کل السلطات بما فيها السلطة القضائية، مباشرًا إيَّاها إما بنفسه، وإما بتفويض غيره في القيام بها([2]).
      وخلال الحقبة الجمهورية، تقاسمت سلطات عدة ولاية الفصل في الدعاوى الجنائية، بحيث شملت القناصل ومجلس الشيوخ الروماني والمجالس الشعبية. وفي أواخر تلک الحقبة، تم إنشاء لجان دائمة من المحققين مفوِّضًا إيَّاها الشعب الروماني بمهمة الفصل في الدعاوى الجنائية([3]).
        ورغم إبقاء الإمبراطور أغسطس إثر توليه مقاليد الحکم في الدولة الرومانية على المؤسسات الدستورية المتواجدة خلال الحقبة الجمهورية، إلا أنه قد قام بإدخال کثير من التعديلات عليها، وصولاً إلى هدمه الأسس التي ارتکزت عليها تلک المؤسسات، وانتهى المطاف بإعلانه إسقاط الجمهورية وإنشاء الإمبراطورية محلها، وذلک في عام 27 قبل الميلاد([4]).
      وقد نجم عن هذا التحول السياسي نتائج عدة، لعل منها ما حدث بشأن السلطة القضائية، فبعد أن کان الشعب - ممثلا في مجالسه الشعبية- والمحققون الدائمون يمارسون دورًا مشهودًا في مجال العدالة الجنائية، نجد أن هذا الدور قد آل جميعه خلال الحقبة الإمبراطورية إلى الإمبراطور الروماني الذي صار بدوره هو صاحب السلطة العليا في البلاد، فضلا عن مجلس الشيوخ وحاکم المدينة اللذين أنيط بهما أيضًا القيام بمهمة الفصل في بعض الدعاوى الجنائية خلال الحقبة المذکورة([5]).