حجية الدليل الرقمي في الإثبات الجنائي للجرائم المعلوماتية " دراسة تحليلية مقارنة"

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ مساعد - وکيل شئون التعليم والطلاب بمعهد الألسن العالي للسياحة والفنادق والحاسب الآلي

المستخلص

الجريمة ظاهرة اجتماعية لا يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات، وُجدت منذ ان خلق الله الإنسان، واستعمره في الأرض، وحتى وقتنا الحاضر، فالجريمة ملازمة للإنسان باقية معه حيث بقى.
ولم تقف الجريمة عند صورتها الأولى التي بدأها الإنسان، وکلما تطور الإنسان في عصر من العصور، تطورت الجريمة معه تطورًا مرعبًا، سواء أکان ذلک في أساليب التخطيط لها، أو في تنفيذها، حيث أصبحت الجريمة منظمة عابرة للحدود، غير قاصرة على تلک الأساليب التقليدية أو البدائية.
والمجرمون في جرائمهم يحاولون الاستفادة من التقدم والتکنولوجيا الحديثة، ويبتکرون أنماطًا جديدة من الجرائم لم تکن معهودة من قبل، وکل يوم نحن مع جرائم جديدة تواکب العصر التکنولوجي، فإذا کان هناک تطور تکنولوجي، فهناک کذلک تزايد في جرائم متطورة تستغل هذا التطور في الکم والأسلوب.
ويمکننا القول بأن البشرية في بداية الألفية الثالثة، دخلت مرحلة جديدة من التطور؛ وذلک بفضل الثورة في تکنولوجيا الاتصالات والمعلومات والتي تبعها فوائد جمة للبشرية بأسرها في کافة مجالات الحياة، على أثر تدخل الحاسب الآلي والإنترنت في المجالات المختلفة المتعددة للناس.
وبقدر ما حققت تکنولوجيا المعلومات آثارًا إيجابية من إنجازات وتطور في المجال الرقمي من خلال الاعتماد عليها في الکثير من قطاعات الحياة، فإنها في الوقت نفسه مهدت الى ظهور أنواع جديدة من الجرائم المستحدثة، لم يکن للإنسان سابق عهد بها ألا وهي "الجرائم الإلکترونية" أو "الجرائم المعلوماتية" تتميز بخصائص فريدة من نوعها وذات طبيعة خاصة تختلف عن الجرائم التقليدية المعروفة.
وهذه الجرائم تميزت بطبيعة خاصة من حيث الوسائل التي ترتکب بها، ومن حيث المحل الذي تقع عليه، ومن حيث الجناة الذين يرتکبونها.
فالجناة في مثل هذه النوعية من الجرائم، هم من المجرمين المحترفين الذين يرتکبون جرائمهم دونما ثمة آثار دماء أو آثار طلقات نارية، ولکن هم يخططون لما يفعلون، ويستخدمون قدراتهم الفنية والعقلية لنجاح هذا التخطيط، وهم کذلک يحيطون أنفسهم بتدابير أمنية واقية تزيد من صعوبة کشف سترهم وإزالة حجب الشر التي اصطنعوها بأيديهم.
وإذا کان الإنسان بما حباه الله من علم هو المفجر للثورة التکنولوجية الحالية، وهو الذي بداخله نفس بشرية قد تجبل على الخير إذا ذکاها، وقد تجنح الى الشر إذا دساها، فإنه لم يقف عند جني الثمار الإيجابية لهذه الثورة وانعکاساتها المختلفة في مناحي الحياة، وإنما قد استغلها بمکره السيء في اکتشاف العديد من الأساليب الإجرامية التي سهلت له العديد من الجرائم التي استغل فيها التطور التکنولوجيا أسوأ استغلال([1]).
ومن الحقائق المسلم بها، ان التقدم العلمي له تأثيره البالغ على القانون وعلى الواقع الذي يطبق عليه هذا القانون، ولکي تتحقق الفائدة المرجوة من هذا التقدم، فإن القانون يجب ألا ينفصل عن الواقع الذي يفرزه ويطبق عليه، بل يجب ان يکون متجاوبًا معه ومتطورًا بتطوره.
کما ان مسألة البحث عن حقائق الأمور تبقى ضالة العقل البشري على مدى العصور ويعد من أهم جوانب البحث عن الحقائق، البحث عن مرتکب الجريمة تلک الظاهرة التي روع إرتکابها المجتمعات منذ القدم الى يومنا الحاضر، لذلک اختلف رد الفعل اتجاه الجريمة کعدوان وکظاهرة اجتماعية من حقبة تاريخية الى أخرى. وتفاوتت المساعي الإنسانية في مختلف المراحل حول البحث عن وسائل إثبات الجريمة ونسبتها الى فاعلها.
ومن نافلة القول، أن نؤکد على ما حدث کان دافعًا؛ لأن يُدق ناقوس الخطر في الأنظمة القانونية التي لم تعرف هذا النوع من الجرائم من قبل، وبالتالي عليها مواکبته، وبأسرع وقت ووسائل ممکنة؛ بتطوير القواعد القانونية، وتحديثها وأساليب الضبط والتحقيق لمجابهة خطر هذه النوعية من الجرائم، وکان عليها في سبيل ذلک البحث عن وسائل إثبات حديثة، لتلک الجرائم التي تعد أحد تطبيقات التقنية الحديثة، لإرتکاب جرائم قديمة بطرق حديثة، أو جرائم جديدة مستحدثة وليدة التقدم التکنولوجي والثورة الرقمية، وبالتالي وضح للعيان ان أدلة الإثبات ووسائله القديمة غير ملاءمة لإثبات هذا النوع من الجرائم الجديدة.
فالإثبات الجنائي للجرائم المعلوماتية، يجب ان يتم بوسائل وأدلة إلکترونية "رقمية" تناسب التطور المذهل، وإلا فلت الزمام من يد العدالة، وأصبح مرتکب الجريمة عبر الفضاء الکوني بعيدًا عن المساءلة.
ففکرة الإثبات قديمة قدم المعاملات الإنسانية، إهتدى إليها الإنسان منذ القدم، نظرًا لما يترتب عن هذه المعاملات من نزاعات وخلافات؛ الأمر الذي أدى إلى حتمية التوصل إلى إيجاد طرق لمعرفة الحقيقة وإرجاع الأمور إلى نصابها الصحيح.