مسئولية المستحوذ في شرکات المساهمة (غيرالمفلسة والمفلسة)

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ القانون التجاري والبحري المساعد کلية الحقوق – جامعة عين شمس

المستخلص

 تمثل حماية شرکات المساهمة والمساهمين فيها والمتعاملين معها اهمية بالغة لما تضطلع به من تنفيذ مشروعات عملاقة تمس معظم مناحى الحياه الاقتصادية نظراً لضخامة رأسمالها ، لاسيما المفتوحة منها . فهذه الشرکات تلجأ الى طرق ووسائل عديدة لتکوين تکتلات وکيانات اقتصادية ضخمة تکون قادرة على مجابهة المنافسة الشرسة التى تجتاح قطاع الاعمال على المستويين المحلى والدولى . فالقوة الاقتصادية التى تتمتع بها تلک التکتلات تجعل معظم الدول تسند اليها تنفيذ المشروعات العملاقة ذات البعد القومى ، الأمرالذى يتطلب الاهتمام بالمنظومة التشريعية التى تحکم مزاولة تلک الشرکات والتکتلات لأنشطتها لتحقيق أکبر قدر من الأمان لها فى ذاتها ولمن ينتمون اليها او يتعاملون معها فى ذات الوقت .
وکذلک فان شرکات المساهمة هى الوعاء الذى تصب فيه مدخرات صغار وکبار المدخرين الذين ينضمون اليها بالاکتتاب فى رأس مالها . ويحتاج هؤلاء لوسائل حماية فعالة للحفاظ على أموالهم وتنميتها وبث روح الطمأنينة لديهم تجاه القائمين على ادارة تلک الشرکات . فقد يصل عدد مساهميها الى الالاف بل الملايين فى ضوء اتساع رقعة نشاطها وضخامة رأسمالها التى تتحقق بتکوين تکتلات اقتصادية قد تفوق قدراتها المالية ميزانيات بعض الدول .
ويجب أن تمتد تلک الحماية لتشمل کافة المتعاملين مع الشرکة ، سواء العناصر البشرية التى تعمل لديها او المتعاقدين معها من موردين لمواد انتاجها او مقاولين منفذين لمشروعاتها او جهات تمويل ومنح ائتمان قصير او متوسط او طويل الاجل لتمکينها من القيام بالمهام الموکلة اليها .
وما يجعل تلک الحماية للشرکة ذاتها والمساهمين فيها والمتعاملين معها اکثر ضرورة فى الوقت الحاضر ما طفا على السطح القانوني فى السنوات الاخيرة من وسائل سيطرة عليها ، من اهمها وسيلة الاستحواذ التى غزت الفکر القانونى المصرى مؤخرا . فالاستحواذهو امر جديد فى مصر ولکن لفظاً فقط وليس معنى .فهو قائم وموجود فى التشريعات التى تحکم تداول الاسهم فى شرکات المساهمة ، فهو من حيث المعنى شراء اسهم شرکة معينة بنسبة تمکن المشترى من السيطرة عليها .فالاستحواذ بهذا المعنى القديم هو شراء اسهم الشرکة بقصد السيطرة عليها .
ومنشأن الاستحواذ ترکيز ملکية رأس مال الشرکة فى شخص معين طبيعى او اعتبارى وما يترتب على ذلک من تمکينه من رسم سياسات الشرکة المستقبلية وقدرته على اتخاذ القرارات المصيرية فى نشاطها وحياتها بدلاً من بعثرة الاسهم على عدد کبير من المساهمين ، فيؤدى کثرتهم وقلة مساهمة کل منهم فى رأسمال الشرکة الى عدم الاهتمام بحضور اجتماعات جمعياتها العامة وعدم الاشتراک فى القرارات التى تصدر عنها . فأصبحت تلک الجمعيات العامة بمثابة " البرلمان الغائب " . ففى ظل هذا الغياب قد يسيطر على حياة الشرکة وقراراتها نسبة ضئيلة قد لا تتعدى 10 %  او 15 % من ملکية رأس المال . فهؤلاء المالکون لتلک النسبة  يسيطرون على مقدرات الشرکة فى وضع يصعب معه فى کثير من الاحيان تحديد شخص المسئول عن الاثار الضارة التى قد تنجم عن القرارات المتخذة . فلا يظهر هؤلاء ، على الاقل مستندياً ، بمظهر القائمين على ادارة الشرکة . اما فى حالة الاستحواذ وترکيز ملکية راس المال فى اشخاص محددين قانونا ومستندياً ، فانه يسهل تحديد القائمين على ادارة الشرکة ومساءلتهم عن تصرفاتهم وقراراتهم الضارة . ولا شک ان تلک ميزة هامة يحققها الاستحواذ .
ولکن على الجانب الاخر لا يخلو الاستحواذ من مثالب کشف عنها التطبيق العملى فى الاونة الاخيرة . فالسيطرة على الشرکة ومقدراتها وقراراتها اصبحت فى يد عدد قليل يبتغون فى معظم الاحيان تحقيق مصالحهم الخاصة على حساب مصلحة الشرکة ذاتها ومصلحة المساهمين الاخرين فيها ، بل واغتيال حقوق من يتعاملون معها . وهذا احد عيوب الاستحواذ الذى لا يجوز الاستهانة به ويتعين وضع ضوابط تشريعية للحد منه او القضاء عليه . فالشرکة بعد ان تنشأ وتبدأ فى مباشرة نشاطها تنفصل مصالحها عن مصالح المساهمين فيها ولو کانوا اغلبية ، فهناک مصلحتها الاجتماعية المتمثلة فى الحفاظ على العمالة لديها وعدم تسريحها ، ومصلحتها الاقتصادية المتمثلة فى تنمية مواردها للارتقاء باحوالها المالية لتمکينها من الوفاء بالتزاماتها تجاه المتعاملين معها لاسيما المؤسسات المالية التى تمنحها القروض والتسهيلات الائتمانية . تلک المصالح يتعين حمايتها والحفاظ عليها من عبث المسيطرين على الشرکة والقائمين على ادارتها .