تطورات الاستخدام الاقتصادي للذکاء الاصطناعي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

نائب بهيئة قضايا الدولة

المستخلص

 يمثل الذکاء الاصطناعي التکنولوجيا التي من المرجح أن تؤدي إلى التفرد، ومعدل لا نهائي من الابتکار ونمو الإنتاجية، والذي يمکن حدوثه من خلال الزيادات الکبيرة في متوسط العمر المتوقع، وتطوير محاکاة العقل البشري بالکامل، والابتکارات في مجال الروبوتات، ويمکننا الزعم بأنه لا يوجد سبب يجعلنا نعتقد أن الذکاء الاصطناعي من شأنه أن يزيد من سعادة البشر.
 ويستخدم الاقتصاديون مصطلح "الأتمتة" أو "الروبوتات" أو "الرقمنة" أو "الحوسبة" للإشارة إلى نفس مفهوم الذکاء الاصطناعي، لذلک أعتقد الکثير من العلماء أن مجال الذکاء الاصطناعي يحتوي على الروبوتات، والشبکات العصبية والتعلم الآلي، والأنظمة الرمزية، کما أن التشغيل الآلي والروبوتات ليس بالضرورة ذکاءًا اصطناعيًا، حيث يمکن برمجتهما ببساطة لأداء مهمة معينة أو مجموعة من المهام، ويستطيع العمال الإشراف على الروبوتات والمحافظة عليها، فمن السمات الرئيسية للذکاء الاصطناعي معالجة البيانات لاتخاذ القرار.
 فالذکاء الاصطناعي يحل محل العمالة، کأداة تعمل على زيادة إنتاجية العمل، وهو ما فعلته التکنولوجيات التقليدية، فالذکاء الاصطناعي لديه إمکانات عظيمة لتعزيز جودة الحياة البشرية والنمو الاقتصادي، والمغزى الطبيعي هنا هو أن الصناعات والمستثمرين والمستهلکين لابد أن يتبنوا هذه القدرة کمعجزة العصر.
 ومع ذلک، فإن صانعي السياسة يهتمون –أکثر- بتأثيرها على التوظيف، حيث قد يتم إحلال الوظائف واستبدالها بذکاء اصطناعي، ومن ناحية أخرى، يبدو أن أغلب خبراء الاقتصاد يميلون إلى توخي المزيد من الحذر في التعامل مع عالم الذکاء الاصطناعي في المستقبل، ويرجع هذا الحذر بصورة رئيسية إلى الدراسات التجريبية التي تستخدم البيانات الحديثة، حيث أن نمو إنتاجية العمل الکلي قد انخفضت على مدى السنوات الخمسين الماضية ، فمنذ أواخر التسعينيات، وبعد الأزمة المالية العالمية بشکل خاص، شهدت کل بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقريباً تباطؤاً في نمو إنتاجية العمل، ويصدق هذا التباطؤ أيضًا على الاقتصادات الناشئة والنامية، التي تسارع نمو إنتاجيتها خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهذا يخلق مفارقة بين إمکانات عالم آلي بدرجة عالية في المستقبل وبين الواقع المحزن للتباطؤ الاقتصادي الحالي.
 لذا کان لابد من تنظيم وحوکمة اقتصاديات الذکاء الاصطناعي، فعادًة ما ينصح صانعي السياسات بإعادة توجيه ترکيزهم- على الأقل إلى حد ما- على الفئات المتضررة من الاستخدام المحدد لنظام قائم على الذکاء الاصطناعي وبصفة خاصة في المؤسسات المالية، والتي تعتمد بشدة على الأساليب الإحصائية التي تکشف عن الارتباطات والأنماط والاحتمالات بدلاً من السببية والعقلانية، والذى يتطلب جمع وتخزين المزيد من البيانات الشخصية.
 فمع فرض العديد من التساؤلات عما إذا کان ينبغي معاملة أنظمة الذکاء الاصطناعي کأشخاص اعتباريين، أو مجرد کائنات، تثار العديد من المسائل المهمة فيما يتعلق بالمسئولية المحتملة، کما تؤدي زيادة التعتيم والقدرات الجديدة، ومستوى عدم اليقين الذي يتم ضخه في المجتمع من خلال استخدام هذه النظم، إلى العديد من تحديات جديدة للقانون والتنظيم لتکنولوجيا الذکاء الاصطناعي وبصفة خاصة في مجالات التکنولوجيا المالية "FinTech" .
 فغالبًا ما يُنظر إلى التکنولوجيا المالية اليوم على أنها ترابط فريد من الخدمات المالية وتکنولوجيا المعلومات، ومع ذلک، فإن الترابط بين التمويل والتکنولوجيا له تاريخ طويل، ففي الواقع إن التطور المالي والتکنولوجي مترابط منذ فترة طويلة ويعزز أحدهما الآخر، حيث کانت الأزمة المالية العالمية لعام 2008 نقطة تحول، وهي جزء من السبب الذي يجعل FinTechتتطور الآن إلى نموذج جديد، و يطرح هذا التطور الجديد تحديات للمنظمين والمشارکين في السوق على حد سواء، لا سيما في موازنة الفوائد المحتملة للابتکار مع المخاطر المحتملة، کما إن التحدي المتمثل في عمل التوازن هذا ليس أکثر حدة في أي مکان مما هو عليه في العالم النامي.
ثانيًا- أهمية البحث:
 تنبع أهمية البحث من أن تکنولوجيا الذکاء الاصطناعي أصبحت واقعًا ملموسًا في کافة الدول المتقدمة، إلا أن تطبيقها في الدول النامية ومنها مصر يحتاج إلى آليات وتشريعات حديثة تواکب التحول من الاعتماد على العنصر البشرى إلى الاعتماد على الآلة، والتعامل معها وبصفة خاصة في النماذج الاقتصادية، لذلک يتوجب علينا دراسة الآثار التجريبية الرئيسية للذکاء الاصطناعي التي جذبت البحوث الاقتصادية في هذا المجال؟
 فالنماذج الاقتصادية الحالية التي تتناول موضوع الذکاء الاصطناعي بوصفه بديلًا للإنسان- إلى حد ما وعلى مستويات مختلفة- تتوقع أن يکون للاقتصاد مسارات نمو مختلفة في ظل معايير وظروف معينة، ومن بينها تطور السعر النسبي لرأس المال في مقابل العمل، الأمر الذي يشکل تحولَا رئيسًا ،
 کما تؤکد کل هذه النماذج المخاوف من أن يؤدي الذکاء الاصطناعي إلى تدمير الوظائف- إلى حد ما على الأقل- وأن من شأنه أن يزيد من التفاوت في الدخول بين الناس، لذا ينبغي علينا حل بعض القضايا الأساسية قبل دمج الذکاء الاصطناعي في هذه النماذج الاقتصادية، فضلًا عن أن الذکاء الاصطناعي سيکون له أثر اقتصادي أکبر وأوسع نطاقًا وبصفة خاصة في المؤسسات المالية وأيضًا في مساعدة الحکومات في تحصيل الضرائب بشکل قياسي، ولکن اعتماده قد يتبع مسارًا مماثلًا للتکنولوجيات الجديدة السابقة التي کانت لها فترات تأخر في التکيف.
 بالإضافة إلى أن الدراسات في هذا المجال غير کافية من حيث موضوعات هامة، کتأثير الأتمتة على التعليم والتجارة الدولية، وهذه الجوانب -التي لم تعالج معالجة شاملة- لها أهميتها من حيث أن الآثار المترتبة على السياسات من هذه المجالات ستکون ذات قيمة في التعويض عن الآثار السلبية على العمالة والتفاوت في توزيع الدخل، فضلاً عن إعداد الاشخاص لتطوير الذکاء الاصطناعي في المستقبل و کيفية تنظيمه و التحکم فيه في المجالات والمؤسسات التي تعتمد عليه بشکل قد يمثل خطورة على المصالح العامة والخاصة مثل المؤسسات المالية.
ثالثًا- مشکلة البحث:
 تکمن مشکلة البحث في أن الکثير من الدول المطبقة لتکنولوجيا الذکاء الاصطناعي- وبصفة خاصة في مصر والدول العربية– مازالوا يجهلون خبايا هذا النظام ومزاياه وعيوبه، فضلًا عن تأثيره على معدلات البطالة بتقليل العمالة البشرية والاعتماد على الآلة، بالإضافة إلى أن استخدام الأتمتة في المجالات الاقتصادية قد يضر بمصالح الأفراد وحقوقهم الاقتصادية، حيث أن البيانات الخاصة بهم يتم التعامل معها بشکل آلي يمکن اختراقه، الأمر الذى قد يشکل خطورة ويحتاج حوکمة وتنظيم من قبل الحکومات.
 لذا هل تکمن المشکلة في هذا النشاط في حد ذاته فقط؟ أم أن الأمر يتعلق بعدم وجود قواعد قانونية تحکم مزاولته أو على الأقل عدم فاعليتها؟ وما هو دور الجهات الرقابية بهذا، وما إذا کان هذا النشاط يُمارس من خلال جهات حکومية أو خاصة، وهل يمکن توفير الحماية اللازمة عند اختراق بيانات الأفراد المستخدمين لتکنولوجيا الذکاء الاصطناعي وبصفة خاصة في مجالات الأسواق المالية والبنوک.
رابعًا- نطاق البحث:
 تبدأ هذه الدراسة بمناقشة تعريف الذکاء الاصطناعي من المنظور الاقتصادي، وکيف يتم تمثيل الذکاء الاصطناعي في النماذج الاقتصادية النظرية من خلال مراجعة بعض النماذج المقترحة المهمة باستخدام إعدادات مختلفة؛ ثم نعالج مسألة ما إذا کان لتکنولوجيا الذکاء الاصطناعي تأثير مختلف على الاقتصاد من التقنيات الحديثة السابقة من خلال الدراسات التي تتم فيها مقارنة الاتجاهات التاريخية والتنبؤات النظرية، کذلک النظر في الأدلة التجريبية على آثار المراحل المبکرة من الذکاء الاصطناعي ، وما إذا کانت تکنولوجيا الذکاء الاصطناعي ستنتصر في النهاية ويتم تعميم استخدامها في دول العالم، وما هي جوانب الاقتصاد التي ستتأثر والمطلوب تغييرها ودورها في المؤسسات المالية وتوضيح التجربة الألمانية في تحصيل الضرائب من خلال الذکاء الاصطناعي.